فضل الاسـتـغـفـار
(قصة من واقع الحياة)
دخلتْ إلى الغرفة مسرعة ً وهي تقول : " حسبي الله ونعم الوكيل "
كان رضيعها يبكي من شدة الجوع .. حملته في حجرها ووضعت زجاجة الحليب شبه الفارغة في فمه .. نظرتْ إلى البعيد بعد أن هدأ المكان وبدأتْ تحدث نفسها ..
- كيف أفعل ؟ ولمن أذهب ؟ لم يعد هناك أحد من الجيران إلا واستلفت منه ؟ !
ثم لمعتْ عيناها .. وجدتْ حلاً ..
- نعم .. أبيع أغراض البيت .. هذا هو الحل ..
وضعتْ طفلها بعد أن استسلم للنوم في طرف الغرفة .. وضعتْ عليه لحافاً خفيفاً ليس عندها غيره .. توجهتْ مسرعة للمطبخ .. تبحث .. تقلب عينيها في جنباته .. تفتح الأدراج .. تغلقها .. وجدت علبة فارغة كانت لمطحنة البن .. توقفت عندها .. فتحتها .. وجدتها فارغة .. سرحت قليلاً .. ثم تنهدتْ وقالتْ ..
- لقد بعتْ مطحنة البن قبل أشهر .. فلم يعد هناك بن نطحنه بها ..
عادتْ تقلب الأدراج من جديد فلم تجد سوى دافوراً صغيراً وقدراً قديماً وصحناً كانت تضع فيه طعام أطفالها .. وبراداً للشاي .. هذا كل ما بقي عندها من ممتلكات البيتْ التي يمكن أن تبيعها .. أخذت تقلبها وكأنها تقلب قلبها .. أخذت تنظف تلك الأواني ودمعتها على خدها .. تذكرت ذلك الصحن وهي تغسله .. كان واحداً من مجموعةٍ اشترتها عند زواجها واختارته بنفسها .. كانت تحبه وتحب أن تأكل فيه .. تذكرت كيف كان هذا الصحن يحمل في وسطه ما لذ وطاب من أشهى أنواع الطعام .. تذكرت كيف كانت ضحكاتها وزوجها وهما يجتمعان على سفرة الطعام .. تذكرت الحادث الذي تعرض له زوجها .. سمعت صوت الفرامل والاصطدام .. فانتفضت مذعورة وسقط الصحن من يدها على الأرض وانكسر .. فجلست على ركبتيها وهي تبكي وقد غطت وجهها بيديها.. مرت عليها برهة من الوقت وهي لا تريد أن تبعد يديها عن وجهها حتى لا تعود إلى واقعها الأليم .. وبعد أن هدأت مسحت دموعها وتجلدت بالصبر وبدأت تجمع قطع الصحن وتحاول إعادته إلى حالته الأولى ..
حملتْ تلك الأغراض ووضعتها في كيس ومضت إلى زوجها كي توصيه أن تنتبه للطفل النائم قبل عودة أطفالها من المدرسة لكنها وجدته حزيناً باكياً وهو يضرب الكرسي المتحرك بيديه .. عادت للوراء .. لم تستطع أن تكلمه .. توكلت على الله وحرجت من المنزل .. وما إن ابتعدت خطوات قليلة عن بيتها حتى نظرت إليه .. فرأت ذلك البيت القديم ذي الأسقف الخشبية التي توشك أن تقع على من فيها وقد اهترأت جدرانه وتآكلت نوافذه .. تحاملت على نفسها وتابعت المسير .. طرقت باب أحد البيوت المجاورة .. عرضت على أهله أن يشتروا منها تلك الأواني .. لم يكونوا بحاجة إليها .. أوصدوا الباب في وجهها .. تابعت عرضها على أكثر من بيت لكنها لم تجد من يقبل شراء تلك الأواني حتى أن أحدهم أخذ يهزأ بها ويسخر منها ..
شعرت بأن الوقت تأخر وأن أطفالها الصغار في طريقهم إلى البيت عائدين من المدرسة وكلهم لهفة لوجبة غداء تسد جوعهم .. عادت مسرعة .. وجدتهم عن باب البيت وقد أعياهم التعب وأثقل ظهورهم ما يحملون من حقائب وزعتها عليهم المدارس .. أدخلتهم وأحضرت لهم خبزاً وضعت عليه شيئاً من الماء حتى يصبح ليناً .. سألها أصغرهم ..
- ماما .. أنا جائع.. ما أكلت شيئاً من الصباح !
فجاوبته وهي تخفي وجهها عنه حتى لا يرى دمعتها التي لا تكاد تفرق عينيها .. طلبت منه ومن إخوته أن يأكلوا ذلك الخبز ثم يقوموا بأداء واجباتهم المدرسية حتى تجهز لهم الغداء ..
وبدأ كل واحد منهم يقلب كتبه ودفاتره وبدأ أكبرهم يكتب الواجب ويقرأه بصوت عال ٍ ..
- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب ".
توقفت أنفاسها برهة .. نظرت إليه .. طلبت منه أن يعيد قراءة الحديث .. فعاد وقرأه .. استبشر وجهها وامتلأ نوراً .. سكتت قليلاً ثم قالت لأبنائها ..
- والله لن يضيعنا الله .. والله لن يضيعنا الله ..
ثم توجهت مسرعة فرحة إلى زوجها الحزين وقالت له ..
- والله لن يضيعنا الله .. والله لن يضيعنا الله ..
وبدأت تكثر من الاستغفار حتى أن لسانها لا يفتر من تكراره مراراً ومراراً .. فكانت تستغفر الله في كل أحوالها فلا تجدها ساكتة إلا وهي تستغفر وما هي إلا لحظات حتى خطر ببالها أحد أهل الخير فذهبت إليه وعرضت عليه وضعها وظروف زوجها فقال لها ..
- لا عليك يا أختاه .. فوالله لن يضيعك الله ..
فأعانها على شراء ما تحتاجه وأسرتها من غذاء وحليب لطفلها الرضيع .. فعادت مسرعة إلى أطفالها تحتضنهم وتبكي وقد ازداد قلبها إيماناً برحمة الله .. وامتلأ صدرها بشراً بفرجه سبحانه ..
دخلت على زوجها تبشره بالفرج فانزاح عنه همه وذكرته بالله وبرحمته وبنعمة الاستغفار .. وما هي إلا أيام قلائل حتى بدأ ذلك الرجل الكريم يسعى في تأمين سكن آمن ينتقلون إليه .. كما سعى ليؤمن لهم جميع مستلزماتهم الغذائية تأتيهم كل شهر مع مبلغ من المال يكفل لهم عيشة هانئة تكفيهم حاجة السؤال.